اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
شرح كتاب الآجرومية
108709 مشاهدة
فائدة علم النحو

...............................................................................


نعرف أن المفعولات هذه بمعنى أنها منصوبة، إذا تتبعها عرف طالب العلم عندما يقرأ أو يكتب أو ينطق يستلزم أو يستحضر حكمها، أن حكمها النصب. على أي شيء نصبت؟ . أما إذا لم يكن عند بدء القراءة مستحضرا لموقع تلك الكلمات فإنه يقع في اللحن ويقع في الخطأ. فلذلك يقولون: إن من فائدة علم النحو هو السلامة من اللحن ومن الأخطاء اللغوية في كلام الله تعالى، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم. وفيه أيضا فائدة وهي فهم المعاني؛ فإن الكثير من المعاني لا تفهم إلا إذا عرف وضعها، وعرف موضعها من الإعراب، وعرف كيفية النطق بها. وكذلك أيضا من فوائد معرفتها - يعني الإعراب كله - أن يعرف كيف الإملاء وكتابة الكلمات حتى لا يقع في خطأ إملائي أو نحوه.
وبكل حال.. معرفة هذا النوع الذي هو علم النحو تتوقف عليها أشياء كثيرة: فهم كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم، والسلامة من اللحن ومن الغلط، والسلامة من الخطأ في الكتابة وما أشبهها . كثير من الناس يكونون قد قرءوا هذه الأبواب كلها؛ ومع ذلك يشاهد عليهم أخطاء، ويوجد معهم لحن في القرآن وفي الأحاديث وفي قراءة الكتب. وإذا سألتهم أو ناقشتهم وجدت أنهم يعرفون الأبواب، ولكن ينقصهم التمرن على النطق بهذه الكلمات.
فإذن يتأكد فيمن عرف مثلا هذه الأبواب كلها؛ منصوبات الأسماء ومرفوعات الأسماء والأفعال وما أشبهها؛ يتأكد في حقه أن يقرأ، ثم يتفقد الكلمات التي يقرؤها كيف ينطق بها. أو يقرؤها على طلبة العلم الذين لهم معرفة بكيفية النطق، ثم يستمع إلى إجاباتهم إلى جوابهم أو إلى تقويمهم له، أو يكلفهم ويقول: أريد أن ترشدوني إلى الأخطاء والأغلاط التي أقع فيها؛ حتى أنتبه لها في المرة الثانية أو ما بعدها. فإذا أرشدوه وقالوا: أخطأت في هذه الكلمة محلها الرفع وأنت نصبت أو خفضت، انتبه لها بعد ذلك أو لما يشبهها.
لا شك في أفضلية هذا العلم الذي هو معرفة النحو وما يترتب عليه. ولذلك كانوا يحثون على البداءة به قبل القراءة في الكتب المطولة أو المختصرة؛ ليكون الإنسان على بصيرة ومعرفة بما يقرؤه أو بما يمر عليه. وكذلك ينهون أيضا عن التوغل فيه؛ لأن هناك من توسعوا في علم النحو وأفنوا فيه أعمارهم وجعلوه أكبر ما يبحثون فيه وصار هو شغلهم.
ذكروا أن كل إنسان يكون مهتما بما تخصص فيه في جميع مجالاته وكلماته ونحوها، ويظهر ذلك في علومه الأخرى. فقالوا مثلا: إن من النحاة المشهورين أبا حيان الذي كان في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية له كتاب البحر المحيط في التفسير، شحنه بالإعراب وبالخلاف في الكلمات، كلما أتى على كلمة ذكر وجوه إعرابها، وما قيل فيها من الخلافات، وما أشبهها، فأصبح التفسير كأنه نحو؛ البحر، ومثله مختصر له يسمى: النهر، فيدل على أن الذين اشتغلوا به، وأكثروا منه فاتهم خير كثير.
فلذلك يقولون: النحو في الكلام كالملح في الطعام، أي تعلمه يقتصر منه على ما يقيم اللسان، دون التوسع فيه، فإن الملح إذا أُكْثِرَ منه أفسد الطعام، وإذا قُلِّلَ منه فسد الطعام، بل يكون بمقدار. فكذلك النحو: من لم يقرأ منه شيئا فاته علم المعاني، وكيفية النطق بالكلمات، ومن توغل فيه فاته علم كثير من علوم الشريعة، وخير الأمور أوساطها.